مقدمة
في سوق العمل الحديث، أصبحت المؤسسات تدرك أهمية الحفاظ على استقرار فرقها الداخلية والحد من تنقّل الموظفين المفرط، لما لذلك من تأثير مباشر على الإنتاجية والتكاليف وثقافة العمل.
أحد أبرز المؤشرات التي تعكس هذا الاستقرار هو معدل الدوران الوظيفي (Turnover Rate)، والذي يعتبر من المقاييس الحيوية في إدارة الموارد البشرية.
ارتفاع هذا المعدل قد يشير إلى مشكلات داخلية في بيئة العمل، بينما يُعد انخفاضه مؤشرًا على رضا الموظفين ونجاح الإدارة في بناء ثقافة عمل صحية.
في هذه المقالة، سنستعرض مفهوم معدل الدوران الوظيفي، الفرق بينه وبين التسرب الوظيفي، أبرز أسبابه، طريقة حسابه، وأهم الحلول التي تساعدك كإدارة موارد بشرية في تقليله وتحسين استقرار فريق العمل.
ما هو معدل الدوران الوظيفي Turn over ؟
معدل الدوران الوظيفي أو ما يُعرف بالإنجليزية بـ Turnover Rate، هو مقياس يُستخدم لتحديد نسبة الموظفين الذين غادروا المؤسسة خلال فترة زمنية معينة مقارنة بعدد الموظفين الإجمالي.
يمكن أن يكون الدوران طبيعيًا وصحيًا في بعض الحالات، لكنه غالبًا ما يُعد مؤشرًا سلبيًا، خاصة إذا كان مرتفعًا. فهو قد يشير إلى ضعف في بيئة العمل، عدم رضا وظيفي، أو خلل في سياسات الموارد البشرية.
الأسباب الشائعة لزيادة معدل الدوران الوظيفي داخل المؤسسات
لفهم كيفية الحد من هذا المعدل، من الضروري أولًا التعرف على أسبابه الشائعة التي يمكن أن تؤثر على الموظفين بشكل مباشر:
ضعف بيئة العمل: يشمل ذلك التوتر، العلاقات السيئة مع الزملاء أو المديرين، أو انعدام ثقافة التقدير.
- انخفاض الأجور أو عدم تنافسيتها مقارنة بسوق العمل.
- قلة فرص التطور والترقية داخل المؤسسة.
- غياب التوازن بين العمل والحياة الشخصية.
- سوء إدارة الموارد البشرية مثل عدم وضوح السياسات، أو تجاهل شكاوى الموظفين.
- طول ساعات العمل أو ضغط المهام بشكل غير متوازن.
- ضعف في التوظيف من الأساس: اختيار غير مناسب للوظائف أو عدم توافق بين الموظف وثقافة الشركة.
ما الفرق بين التسرب الوظيفي والدوران الوظيفي؟
غالبًا ما يحدث خلط بين مفهومي الدوران الوظيفي والتسرب الوظيفي، لكن هناك فرق جوهري بينهما:
الدوران الوظيفي: يشمل كل حالات مغادرة الموظفين سواء كانت طوعية (استقالة) أو غير طوعية (فصل أو إنهاء خدمة). وهو مؤشر أوسع يستخدم لقياس الاستقرار العام للوظائف داخل المؤسسة.
التسرب الوظيفي: يُستخدم غالبًا للدلالة على المغادرة الطوعية فقط من طرف الموظفين، خاصة إذا كانت بأعداد كبيرة خلال فترات قصيرة، مما يُعد إنذارًا مبكرًا لوجود خلل ما.
كيف تقلل إدارة الموارد البشرية من معدل الدوران الوظيفي؟
تقليل معدل الدوران يتطلب استراتيجية متكاملة تبدأ من مرحلة التوظيف ولا تنتهي إلا بعد بناء بيئة محفزة ومستقرة. وفيما يلي أبرز الطرق التي يمكن للإدارة اتباعها:
1. تحسين عمليات التوظيف
استقطاب الكفاءات المناسبة وتوظيف الأشخاص الذين تتوافق قيمهم مع ثقافة الشركة.
التأكد من وضوح وصف الوظيفة أثناء المقابلات وعدم خلق توقعات مبالغ بها.
2. تقديم حزم تعويضية منافسة
مراجعة الرواتب والبدلات بشكل دوري لضمان مواكبتها للسوق.
تقديم حوافز مالية وغير مالية، مثل التأمين الصحي، والمكافآت، وبدل المواصلات أو السكن.
3. توفير فرص للتدريب والتطور المهني
إعداد خطط تطوير فردية للموظفين.
إقامة ورش عمل ودورات تدريبية داخلية وخارجية.
4. خلق بيئة عمل صحية ومحفزة
التركيز على التقدير والتحفيز المعنوي.
تعزيز ثقافة التواصل المفتوح بين الإدارة والموظفين.
السماح بدرجة من المرونة في العمل (مثل ساعات مرنة أو العمل عن بُعد عند الحاجة).
5. إجراء مقابلات خروج (Exit Interviews)
التعرف على أسباب مغادرة الموظفين من وجهة نظرهم، وتحليل النتائج لتحسين السياسات الحالية.
6. الاستماع لملاحظات الموظفين
إجراء استبيانات رضا الموظف بشكل منتظم.
التفاعل مع الملاحظات واتخاذ إجراءات تصحيحية فعلية.
طريقة حساب معدل الدوران الوظيفي
لحساب معدل الدوران الوظيفي بدقة، يمكن استخدام المعادلة التالية:
معدل الدوران الوظيفي = (عدد الموظفين الذين غادروا خلال الفترة ÷ متوسط عدد الموظفين خلال نفس الفترة) × 100
مثال:
عدد الموظفين الذين غادروا خلال السنة = 12
متوسط عدد الموظفين خلال السنة = 100
المعدل = (12 ÷ 100) × 100 = 12%
المعدل الطبيعي للدوران الوظيفي
يعتبر المعدل “الطبيعي” للدوران الوظيفي متغيرًا بحسب القطاع، لكن في كثير من الصناعات يتراوح بين 10% إلى 15% سنويًا. المعدلات التي تتجاوز ذلك كثيرًا قد تكون مؤشرًا خطرًا يستدعي التدخل الفوري.
خاتمة
معدل الدوران الوظيفي ليس مجرد رقم، بل هو مرآة تعكس مدى استقرار بيئة العمل وفاعلية إدارة الموارد البشرية. تقليل هذا المعدل يتطلب فهمًا عميقًا لأسبابه واتخاذ خطوات عملية لتحسين تجربة الموظف داخل المؤسسة. عبر الاستثمار في بيئة العمل والتواصل المستمر، تستطيع أي إدارة بناء فريق مستقر، ملتزم، ومنتج على المدى الطويل.